قاعدة التفسير الضيق للقانون الجنائي

           قاعدة التفسير الضيق للقانون الجنائي: ضمانة عند التطبيق
إذا كان مبدأ رعية التجريم والجزاء يفرض على المشرع صياغة القاعدة الجنائية المحددة لما هو مجرم بدقة ووضوح ونشرها ليعلم بها المخاطبون وأن تسري على المستقبل مما يحقق الأمن القانوني لهؤلاء المخاطبين فإن تطبيق القانون الجنائي على الوقائع مهمة القضاء إذ تقع عليه مسؤولية التثبت من الوقائع المعروضة عليه ثم تكييفها، أي اختيار النموذج التجريمي الذي تقع تحت طائلته وهو في هذه العملية الرئيسية التي يقوم بها قضاء الموضوع خاضع لرقابة المجلس الأعلى احتراما لقاعدة شرعية التجريم والجزاء الجنائي وحماية للحرية الفردية التي تجعل منه مطبقا للعقوبة الموجودة في القانون وعليه فقط أن يتأكد أن القانون قابل للتطبيق على الحالة المعروضة عليه ومن هذه الزاوية يشكل مبدأ شرعية التجريم والعقاب قيدا على القاضي خوفا من تعسفه حسب السياق التاريخي لهذا المبدأ يمكنه من زاوية أخرى فإن تدخل القضاء لتطبيق القانون الجنائي نراه اليوم ضمانة أساسية لحرية المخاطب بالقانون الجنائي إذ الجزاء الجنائي يجب أن يصرح به قضاء له مواصفات الاستقلال والحياد والنزاهة وفي إطار محاكمة عادلة.
                                     1- مبرراتها:
تجد هذه القاعدة الراسخة في ق.ج ما يبررها من ذلك:
- القانون مظهر من مظاهر سيادة الدولة و ق.ج إذ يصدر عن السلطة التشريعية للدولة فإنه يهدف إلى حماية مصالحها الأساسية لذلك فهو مرتبط بنظامها العام, وبحقها في عقاب من يخالفها.
- إن كل جريمة ترتكب في إقليم الدولة تحدث اضطرابا بها.
- حسن سير العدالة إذ أن مكان ارتكاب الجريمة يسهل عملية البحث والتحقيق.
- تخدم وظيفة العقوبة في الردع الخاص والعام.

                             2-     تطبيق القاعدة:
إن تطبيق قاعدة إقليمية ق.ج مرتبط بتحديد مفهوم الإقليم ومكان ارتكاب الجريمة.
أ‌-     مفهوم الإقليم:
يمكن التمييز بين:


+ الإقليم الأرضي (الترابي)

ضمن حدود الدولة وما يضم من مياه داخلية (الإقليم البحري ويضم المياه الإقليمية وأعماقها وهو الجزء المتصل بالشاطئ، وقد سبق للمغرب في ظهير 2 مارس 1973 إلى تحديد مياهه الإقليمية في 12 ميلا بحريا من السواحل (22 .25 km)
+ الإقليم البحري:
أي الطبقات الجوية التي تعلو الإقليم البري والبحري مهما علت.
+ الإقليم الاعتباري أو الحكمي:
ويضم السفن التي تحمل العلم المغربي والطائرات المغربية أينما وجدت فهي تعد حكما جزءا من إقليم الدولة وفي هذا الفصل 11 من ق.ج (تدخل ضمن إقليم المملكة السفن والطائرات المغربية أينما وجدت فيما عدا الحالات التي تكون فيها خاضعة لتشريع أجنبي بمقتضى القانون الدولي).
فالجريمة المرتكبة في هذه السفن أو الطائرات تعد مرتكبة في الإقليم المغربي ولا يطرح الأمر أي إشكال لو كانت تلك السفن أو الطائرات أيضا وقت ارتكاب الجريمة توجد ضمن الإقليم الحقيقي للدولة الأرضي أو الجوي أو البحري.
لذلك فإن كانت القاعدة الجنائية واضحة المعنى فلا مجال لتفسيرها بل يجب تطبيقها ولا يمكن تحريف معناها الواضح بالرجوع إلى الأعمال التحضيرية أو غيرها، لكن النصوص الجنائية لا تكون دائما واضحة المعنى ودقيقة وسهلة التطبيق، فأحيانا تأتي غامضة لعدة أسباب سيما عيوب الصياغة أو التناقض أو استعمال عبارات عامة وغير المحددة المعنى في القانون الجنائي وغيره من فروع القانون.
والقاعدة أن القاضي لا يمكنه أن يمتنع عن تطبيق النصوص بحجة غموضها بل عليه تفسيرها وتطبيقها. لكن ما هي محددات هذه التهمة في المجال الجنائي.

أ‌)     قاعدة عدم التوسع في التفسير وعدم اللجوء إلى القياس:
وهي قاعدة مسطرة في الفقه والقضاء الجنائيين بالرغم من عدم وجود نص صريح يقضي بها، وقد أخذ بها التشريع الجنائي الفرنسي الحالي في فصله 4-111 فهي نتيجة مباشرة لمبدأ الشرعية ويترتب عنها رفض اللجوء إلى القياس في مجال التجريم والجزاء الجنائي، لأن اعماله يؤدي إلى ملء فراغ تشريعي بتمديد التشريع الموجود إلى حالات لم يذكرها المشرع صراحة ولم يقصدها فيخلف بذلك تجريما جديدا مما ينال من مبدأ شرعية التجريم والجزاء الجنائي وعدم الاطمئنان وثقة المتهم.
لذلك فمهما كان الفعل المرتكب والمعروض على القضاء مدانا أخلاقيا أو اجتماعيا أو دينيا فلا يمكن للقضاء تجريمه عن طريق القياس على فعل آخر مجرم مماثل له ولو كان أقل إدانة أخلاقية أو اجتماعية أو دينية، وبالتالي فأمام الفراغ التشريعي يتعين الحكم بالبراءة حماية للمتهم ولمبدأ شرعية التجريم والجزاء ذاته وعلى المشرع التدخل لملء الفراغ، وبالمقابل يذهب رأي إلى أن قاعدة التفسير الضيق إذ وجدت لمصلحة المتهم فإنه يقبل التوسع في التفسير لما هو في صالحه كالتوسع في تفسير أسباب الإباحة أو غيرها 

ب) البحث عن المعنى الحقيقي للنص الجنائي:
وهو أسلوب وسط يرفض بدوره التوسع في التفسير باللجوء إلى القياس ضد المتهم ويرفض أيضا التفسير الحرفي للنصوص الذي نادت به مدرسة الشرح على المثن لما يؤدي إليه من جمود النصوص والابتعاد أحيانا عن حقيقة قصد المشرع, ويرفض أيضا التفسير الضيق لصالح المتهم دائما.
لذلك فالتفسير الدقيق وفق هذا الأسلوب يهدف الكشف عن إرادة المشرع لا الحلول محله، ول كان ذلك في غير صالح المتهم وذلك باللجوء إلى مختلف الوسائل سيما الرجوع إلى الأعمال التحضيرية والمصادر المادية للنص، والمناقشات وآراء الفقه والقضاء، وتصحيح الأخطاء المادية في الصياغة ليستقيم المعنى عقلا، وتحديد الكلمات والعبارات المستعملة في النص غير المحددة المعنى في ق.ج أو غيره كمفهوم الحياء في جريمة الإخلال العلني للحياء، والعنف في جرائم الإيذاء، ومفهوم الاختلاس في السرقة وغير ذلك، أخذا بالاعتبار قصد المشرع بالتجريم سيما الحماية الجنائية التي يسعى إلى توفيرها للحق أو المصلحة المعينة والأخلاق العامة، السلامة الجسدية ، حق الملكية...)
وهذا التحديد يمكن القضاء من تحيين النص وتمديده إلى أشكال جديدة من الاعتداء على حق أو مصلحة لم يكن بإمكان المشرع توقعها وقت وضعه للنص مثل تمديد مفهوم اختلاس المال المنقول في السرقة على الأبواب والنوافذ التي يقع نزعها من منزل وتحديد مفهوم الاختلاس بالأخذ دون نص وليس خفيف، ومع ذلك يجب الاحتياط حتى لا تؤدي عملية التفسير هذه إلى تحميل النص الجنائي المفسر ما لا يتحمل بحيث يقع التوسع في التفسير تحت ضغط ضرورات الزجر، إذ يجب عدم الاعتماد كليا على القضاء ليجعل النص يساير الظروف والمستجدات رغما عنه فهذا مقبول الأخذ ما في المجال المدني بل على المشرع التدخل في مثل هذه الأحوال وهو ما قام به المشرع المغربي في السنوات الأخيرة مثلا بنصه على (جرائم المعلوميات) هذا ويسهر المجلس الأعلى على التطبيق الصحيح للقانون وتوحيد الاجتهاد (المادة 518 م.ج)

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

طمس معالم الجريمة و إتلاف الأدلة

القانون الجنائي الجزء2: أهم المدارس الجنائية

جريمة الإغتصاب المادة 486