القانون الجنائي الجزء2: أهم المدارس الجنائية

        
                        1) المدرسة التقليدية:
من روادها الإيطالي "بيكاريا" الذي نشر كتابه "الجرائم والعقوبات" سنة 1764، وقد تبعه أخرون خاصة بيتنام (إنجلترا) و " فيولباخ" (ألمانيا) .
هاجم بيكاريا قوة العقوبة وتعسف القضاء فطالب بتحديد مسبق للجرائم والعقوبات من قبل المشرع باعتباره معبرا عن الإرادة العامة، تأثرا بنظرية العقد الاجتماعي  أساس الدولة التي قال بها "روسو" في كتاب العقد الاجتماعي وغيره، وأساس حقها في العقاب ويقوم القاضي بتطبيقها دون تعديل أخذا بمبدأ فصل السلط الذي نادى به مونتسكيو في كتاب "روح القوانين  1748" وبذلك يكون " بيكاريا " طالب بمبدأ شرعية التجريم والعقاب منعا لتعسف  بمعنى تحديد المشرع  وحده للجرائم والعقوبات فالقانون يفرض نفسه على الجميع (علو القانون).
ويرى أن العقوبة إذ يتحملها الجاني وحده فذلك بناء على مسؤوليته الأخلاقية، بالنظر لما يتمتع به الإنسان بصفة عامة من حرية الاختيار، وبالتالي رفض أن تصيب أهله.
وأن تحديد العقوبة يتم بالنظر إلى الجريمة وضررها لا إلى الجاني، وإن تحققت المنفعة للمجتمع بمنعه في المستقبل ومنع غيره من الإجرام أي ردع خاص وردع عام، لكن ناهض العقوبات القاسية خاصة الإعدام

       وقد كان لقوة مبدأ شرعية التجريم والعقاب الذي نادى به "بيكاريا" وقعا خاصا، إذ أخذت به الثورة الفرنسية وتضمنه إعلان حقوق الإنسان والمواطن كما نص عليه قانون نابليون.

                       2) المدرسة التقليدية الجديدة
مع نهاية القرن 18 وبداية قرن 19 من أنصارها "سالي" " روسي" "كارصون" " كارو" (فرنسا) ومنها إيطاليا " كرارا" وغيرهم، حاولت هذه المدرسة الجمع بين نفعية العقاب حسب المدرسة التقليدية وأساس العدالة الذي نادى به "كانط" أي العقاب إرضاء "للعدالة" حسب "كانط"، كما حاول إدخال بعض الواقعية والنسبية على مبدأ حرية الاختيار الذي أكدت عليه المدرسة التقليدية وبالتالي رفضت الإطلاق والتجريد وتعترف بوجود مؤثرات وعوامل قد تقوى وتضعف حرية الاختيار. وتبعا لذلك ترى أن تتدرج المسؤولية الجنائية والجزاء الجنائي, وتعد هذه النسبية أهم إيجابيات هذه المدرسة بإيجادها مرحلة وسطى بين انعدام وكمال التمييز، وما يفضي إليه ذلك من اعتدال.
                        3) المدرسة الوضعية
أواخر القرن 19 من روادها الطبيب الإيطالي "لمبروزو" في كتابه " الإنسان المجرم 1876" وتبعه آخرون : " أنريكو فيري"، " كارو فالو" إلخ
تأثر لمروزو بمناخ الفلسفة الوضعية التي تنطلق من المشاهدة والتجربة ومن روادها "أوكيست كولت" وجهت اهتمامها إلى المجرم بدل الجريمة لبحث أسباب إجرامه وخلصت إلى عدة نتائج أهمها:
-        تنكر حرية الاختيار وتقرر بدلها الحتمية، فالجاني مدفوع إلى الجريمة لأسباب داخلية وخارجية وبالتالي بدل المسؤولية الأخلاقية هناك المسؤولية الإجتماعية.
-        رفض العقوبة: وبحث تدابير مناسبة لشخص الجاني تمنعه مستقبلا من الإجرام وهذا يتطلب انفتاحا كبيرا على العموم لبحث أسباب الجريمة وأصناف المجرمين لاتخاذ علاج مناسب، وقد كان لهذه المدرسة أثر في قوانين جنائية فيما يخص نظام معاملة الأحداث الجانحين، المدمنين، وإقرار تدابير الوقاية...
                   4)  حركة الدفاع الاجتماعي:
لقد نشأت هذه الحركة في إطار محاولة التوفيق بين المدارس السابقة وتضم اتجاهين أساسيين رئيسيين:
-        اتجاه يتزعمه الإيطالي "كراماتيا"، رفض فكرة الجريمة والمسؤولية الجنائية والعقوبة لأنه يرى أن الجريمة هي خلل اجتماعي أي مناهضة للمجتمع أو انحراف له أسبابه يقتضي اتخاذ تدابير مناسبة قبله وبعده بقصد إصلاح المنحرف والعودة به إلى المجتمع.
-        اتجاه معتدل من رواده الفرنسي "مارك أنسل" نشر سنة 1954 كتابه "حركة الدفاع الاجتماعي الجديدة", يعترف بالقانون الجنائي بكل مفاهيمه، لكن يرى ضرورة دعم شخصية الجاني وبالتالي اعتماد سياسة جنائية إنسانية تحمي المجتمع والإنسان مع أولوية الإنسان بدل فعله بهدف إعادة إدماجه, في هذا حماية له وللمجتمع، وهذا يتطلب الانفتاح على العلوم (علم النفس،علم الاجتماع،الطب) من أجل تفريد أكثر للجزاء لتسهيل إعادة الإدماج كهدف.
لقد كانت لهذه المدارس الفكرية بدرجات متفاوتة أثر واضح في التشريعات الجنائية الوضعية وهكذا فمجموعة  القانون الجنائي المغربي النافذة التي وضعت سنة 1962 تضمنت مبدأ شرعية التجريم والعقاب ومبدأ المسؤولية على أساس حرية الاختيار أي خطأ لكنها أوجدت مجالا للمسؤولية الناقصة بالنظر إلى نقص الإدراك والتمييز كما أخذت بمبدأ تفريد الجزاء مراعاة لجسامة الجريمة وخطورة الجاني كما أخذت تدابير الوقاية، يضاف إلى ذلك أخذها ببعض الحالات الاستثنائية من المسؤولية على أساس الحالات الخطيرة كجريمة التسول والتشرد.
هذا, وتجدر الإشارة إلى أن مبدأ شرعية التجريم والعقاب وحرية الاختيار والمسؤولية الأدبية مبادئ عرفها النظام الجنائي الإسلامي الذي يتميز بتقسيم الجرائم إلى حدود وتعازير وقصاص ودية بحسب طبيعة الحق المعتدى عليه.

Commentaires

  1. Merçi beaucoup pour ce resumé
    Je l'ai trouvé trés utile ❤❤

    RépondreSupprimer
  2. مقال رائع شكرا لسيادتكم
    للمزيد حول الموضوع يمكن الاطلاع على مدونة واحة القانون

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

طمس معالم الجريمة و إتلاف الأدلة

جريمة الإغتصاب المادة 486