الاثراء بلا سبب

يعتبر الاثراء بلا سبب مصدر من مصادر الالتزام ، ويقصد به ان كل شخص يثري على حساب شخص اخر يلتزم بتعويض الشخص الذي لحقه الضرر ،كما انه عبارة عن انتقال جزء من ذمة مالية الي اخرى، مثلا ان يقوم شخص بدفع مبلغ من النقود الي شخص اخر على اساس انه يدفع دينا عليه، والواقع انه غير مدين كما ان الاثراء بلا سبب ليس حديث العهد بل ظهر منذ القدم لدى الرمان وحضارات اخرى. يرجع الفضل في تكريس قاعدة الإثراء بلا سبب مبدأ عاما في القانون المغربي إلى أسس الشريعة الإسلامية ، والدور الكبير للفقهاء ،إلى جانب الأحكام القضائية التي أغنت مبدأ الإثراء بلا سبب، وجعلته مصدرا عاما ، قائما بذاته ومستقلا عن غيره من المصادر. وقد افرد قانون الإلتزامات والعقود المغربي نصوصا خاصة للإثراء بلا سبب بين دفتيه ، في الباب الثاني في القسم الأول منه ، وعرفه في الفصل 66 من ق ل ع " من تسلم أو حاز شيئا أو أية قيمة أخرى مما هو مملوك للغير بدون سبب يبرر هذا الإثراء إلتزم برده لمن أثري على حسابه" كما أن المشرع المغربي اعتبر الدفع الغير المستحق كتطبيق لقاعدة الإثراء بلا سبب في الفصول 68 إلى 74 من هذا الظهير، أما الفضالة فقد أوردها في الفصل الخامس من القسم السادس، وجعلها من أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة والفضالة وذلك في الفصول 943 إلى 958 . 1) :التأصيل القانوني والفكري لنظرية الإثراء بلا سبب . ظهرت قاعدة الإثراء بلا سبب منذ القدم ، إلا أنها لم تتبلور بشكلها الحالي إلا في عصور متأخرة نسبيا ، نتيجة تأثير مجموعة من الأفكار والتفسيرات التي ساعدت بشكل كبير في وضع أسسها . وسنحاول تقسيم هذا المطلب إلى أربعة فقرات سنتناول في( الفقرة الأولى) قاعدة الإثراء بلا سبب والفضالة ، وفي ( الفقرة الثانية) قاعدة الإثراء بلا سبب ومناط المسؤولية المدنية ، أما( الفقرة الثالثة ) فسنعرض فيها قاعدة الإثراء بلا سبب ونظرية تحمل التبعة ،في حين سنخصص ( الفقرة الرابعة) لقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الإلتزام . الفقرة الأولى :قاعدة الإثراء بلا سبب والفضالة عمل فقهاء الشرح على المتون في فرنسا على التقريب بين نظرية الإثراء بلا سبب والفضالة ، وبرروا ذلك بكونهما تقومان على نفس الأساس ، أو تنشآن من نفس السبب وهو التدخل في شؤون الغير لدى يمكن تطبيق أحكام دعوى الفضالة المقررة في الفصل (1375) من القانون المدني الفرنسي على دعوى الإثراء بلا سبب ، غير أنهم لم يجعلوا دعوى الإثراء بلا سبب صورة من صور دعوى الفضالة ، لإختلاف أحكام كل منهما ، فدعوى الإثراء بلا سبب لا يسترد فيها المثري إلا مقدار الإثراء الذي تحقق ، على عكس دعوى الفضالة إذ يسترد الفضولي كل المصارف النافعة التي تحملها . هذا الموقف تعرض للإنتقاذ ؛ فبالرغم من توافق دعوى الإثراء بلا سبب ودعوى الفضالة من حيث مبدأ عدم إثراء الشخص على حساب الغير، ويختلفان في كون الإثراء بلا سبب لا يستلزم أي شرط خاص بل يكفي أن يفتقر شخص فيثري شخص أخر على حسابه دون مبرر قانوني . أما الفضالة فتستلزم شرطا خاصا يتمثل في تدخل الفضولي قاصدا القيام بعمل عاجل لمصلحة الغير . الفقرة الثانية :الإثراء بلا سبب والمسؤولية المدنية . تبنى جانب من الفقه خاصة الفقيه الفرنسي بلانيول،فكرة الشبه بين الإثراء بلا سبب ،والفعل الغير المشروع ،على أساس أن المفتقر يصاب بضرر يتمثل في الافتقار،الذي حصل له وحينما يطالب برد الاثراء المسبب في افتقاره من الشخص الذي اثري على حسابه، فهو يطالب بالتعويض عن هذا الضرر،وهذا الأخير يرجع فيه الى أحكام المسؤولية المدنية،وأساس دفاع الفقيه بلانيول عن هاته الفكرة، يعود الى تقسيمه لمصادر الالتزام لمصدرين:العقد والقانون،فأدخل الالتزام بالتعويض في المسؤولية المدنية،والالتزام برد ما أثرى به الشخص على حساب غيره في نطاق مصدر واحد هو القانون. هذا الموقف تعرض بدوره للانتقاد،باعتبار أن أحكام الاثراء بلا سبب تختلف عن أحكام المسؤولية المدنية على مستوى التعويض،فالبنسبة للتعويض في الاثراء بلاسبب لا يشترط وقوع خطأ من جانب المثري ، ليكون سببا لقيام واقعة رد الاثراء،أما سبب التعويض في المسؤولية المدنية فهو ارتكاب عمل غير مشروع،نتيجة خطأ الشخص أو إهماله. الفــقرة الثالــثة:قاعــدة الإثراء بلا سبب وقاعدة تحمل التــــبعـــة عمد الفقيهان ربير و تيسير إلى تقييم نظرية الإثراء بلا سبب على أساس اقتصادي واجتماعي ، وذلك من خلال مقال في المجلة الشهرية للقانون المدني سنة 1904 أورد فيها أن كل شخص عليه أن يتحمل ما يترتب على نشاطه من نتائج ضارة أو نافعة ، فمادام الإنسان هو صاحب الحق في المنافع التي يجنيها بنشاطه ، فهو كذلك ملزم بتعويض الأضرار التي يحدثها للغير . هاته النظرية لقيت تأييدا من طرف فقيه أخر هو كودميه إلا انه أضاف إلى هذه النظرية العناصر التالية: ــ سبب الإثراء يجب أن يكون نشاطا غير عادي للشخص الذي افتقر أما إذا كان جزءا من نشاطه العادي ، فإن الإثراء يعد مجرد نتيجة للحياة الإجتماعية ولا يستحق التعويض . ــ الطابع الإحتياطي لدعوى الإثراء بلا سبب حيث لا يباح استخدامها إلا إذا تعذر استخدام وسيلة أخرى. وقد حاول بعض الفقهاء تفسير الأساس الإقتصادي لدعوى الإثراء بلا سبب بكون ان كل شخص يستفيد من ضرر لحق بالغير ، يلتزم بتعويض هذا الضرر ، وان الإستفادة التي تحصل تعتبر أساس المسؤولية بشكل خاص وتتوقف على حدوث خطأ أو خطر. غير أن هذه النظرية انتقدت لكونها تقارب مابين الإثراء بلا سبب والمسؤولية ، سواء على أساس الخطأ أو الخطر، رغم اختلاف النظامين ليتم تعويضها بنظرية جديدة ترجع أساس رد الإثراء بلاسبب إلى فكرة العدالة التي تقوم على قواعد الأخلاق أو قواعد القانون الطبيعي ، اضافة الى العوامل القانونية الواقعية ، والتي منها عامل الإستقرار الإجتماعي1. وكذلك عامل الإمكان أي القدرة على الإنشاء الواقعي والعملي للنظم ، بالإضافة إلى العامل التاريخي الذي يحقق الترابط بين العرف والتشريع والأنظمة السابقة . الفقرة الرابعة : الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الإلتزام حاول العديد من الفقهاء تفسير أساس الإلتزام برده إلى الإثراء ، فذهب فريق منهم إلى رده إلى أحكام الفضالة ، وقام آخرون بتفسيره على أساس المسؤولية ، واتجه فريق أخر إلى الاستعانة بقاعدة تحمل التبعة و فكرة العدالة ، ليستقر على قاعدة الإثراء بلا سبب في الأخير باعتبارها نظاما عاما قائما بذاته ومصدرا مستقل للإلتزام . وقد أخدت عدت تشريعات حديثة بقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر للإلتزام ، ومنها؛قانون الإلتزامات والعقود المغربي في الفصل 66 و 67 ، والقانون المصري في المادتين 179 و 180 ، والقانون اللبناني في المادة 140 ، والقانون الألماني في المادة 812 ، وتجدر الإشارة إلى أن جل التشريعات التي أخدت بقاعدة الإثراء بلا سبب كمصدر للإلتزام تضع بجانبها تطبيقات لهذه القاعدة وتجعل لها أحكاما خاصة 2[15]، تختلف عن أحكام قاعدة الإثراء بلا سبب ، ومن أمثلة ذلك الدفع غير المستحق والذي تناوله المشرع المغربي في قانون الإلتزامات والعقود من خلال الفصول (68 إلى 76) ، أما المشرع المصري فتناولها في القانون المدني المصري في المواد ( 180 إلى 187) ، بالإضافة إلى رد الإثراء الذي ينتج عن الفضالة المنظم في قانون الإلتزامات والعقود من الفصل (943 إلى 958) وتناولها المشرع الموريتاني في الفصل الخامس من الباب السابع من الكتاب الثالث تحت عنوان أشباه العقود المنزلة منزلة الوكالة

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

طمس معالم الجريمة و إتلاف الأدلة

القانون الجنائي الجزء2: أهم المدارس الجنائية

جريمة الإغتصاب المادة 486