القانون الجنائي _الجزء السادس
نتائج مبدأ شرعية التجريم والجزاء الجنائي:
تترتب
عن مبدأ شرعية التجريم والجزاء الجنائي عدة نتائج مكملة لها يهدف إليه أساسا من
حماية الحرية الفردية من خطر التعسف عند وضع القانون الجنائي أو تطبيقه وأهم هذه
النتائج ما يلي:
I. قاعدة عدم مرجعية القانون الجنائي:
ضمانة عند التشريع وتعد هذه القاعدة من الضمانات الأساسية للحرية الفردية
أ – صياغتها: سبق النص على هذه القاعدة
لأهميتها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن في مادته 8 و الفصل 11 من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما نص عليها الفصل 4 من القانون الجنائي الفرنسي
لسنة 1810 والقانون الحنائي الفرنسي الحالي الفصل 112 بند 1وفي المغرب سبق أن نص عليها
الفصل 9من القانون الجنائي لسنة 1953 لكن كان يقبل بمخالفتها وهو ما حصل في تطبيق
قانون العدل العسكري لسنة 1956 وقانون زجر الجرائم الماسة بصحة الأمة لسنة
1959الذي صدر إثر ما عرف بقضية الزيوت المسمومة فطبق عليها بأثر رجع.
ثم نص عليها بشكل عام ودون استثناء الفصل
10 من القانون الأساسي للمملكة الصادر في 2 يونيو 1961إذ جاء فيه "لا جريمة
ولا عقوبة إلا بمقتضى قانون سابق" ثم نصت عليها المجموعة الجنائية الحالية
الصادرة سنة 1962 في الفصل 4 بشكل عام ودون استثناء أيضا إذ جاء فيه : "لا
يؤاخذ على فعل لم يكن جريمة بمقتضى القانون الذي كان ساريا وقت ارتكابه." وهو
ما نص عليه أيضا الفصل 4 من الدستور الأول لسنة 1962 والدساتير اللاحقة بشكل عام
ومطلق بحيث يهم القانون الجنائي وغيره إذ جاء فيه " ليس للقانون أثر
رجعي" لكن القاعدة لها أثر خاصة في المجال الجنائي ، وبهذا أصبحت لقاعدة عدم
رجعية القانون قيمة دستورية مما يغني عن استمرار النص عليها في المجموعة الجنائية،
ويترتب علن ذلك أنه تفرض نفسها على جميع السلط بين السلطات التشريعية والقضاء.
ب – مدلول القاعدة وطريقة إعمالها:
يقصد بقاعدة عدم رجعية القانون الجنائي أن هذا الأخير
يصدر ليسري على ما يعق بعد نفاذه من وقائع خاصة له، وبالمقابل لا يسري على ما
ارتكب قبل دخوله حيز النفاذ.
فلا رجعية له في الزمن تجريما وعقابا وبذلك يتحدد في نفس
الوقت نطاق تطبيق القانون الجنائي في الزمن بالمشرع ملزم بالتجريم والعقاب للمستقبل
والقاضي ملزم بتطبيق العقوبة وقت الارتكاب لا وقت الحكم "لا يحكم بالعقاب على
فعل لم يكن معاقبا عليه وقت ارتكابه بمقتضى قانون نافذ وإذ لا يحكم بعقوبة أشد من
التي كانت نافذة وقت الفعل"
وإعمالا على مقدم رجعية القانون الجنائي يتطلب تحديد
بداية نفاذ القانون الجنائي من جهة ووقت ارتكاب الجهة من جهة أخرى وذلك لمعرفة ما
إذا كانت خاضعة له أم لا.
- تحديد بداية نفاذ القانون الجنائي: نفاذ القانون يعني
سريانه وليس مجرد إصداره فعندما يصبح نافذا بالرغم من عدم تنظيم نشر القانون في
الجريدة الرسمية بنص عام وضبط تاريخ بداية نفاذه فمن المبادئ التي استقر عليها الفقه
السائد والقضاء أنه لا بد من نشر القانون في الجريدة من جهة وأن نفاذ القانون يبدأ
من اليوم الموالي لتاريخ النشر ما لم يحدد له تاريخ أخر.
إذ لا
يعقل أن يلزم الأفراد بقانون لا تمنح لهم فرصة الاطلاع عليه فالنشر في الجريدة الرسمية هو إعلان رسمي عن
وجود هذا القانون وقد أخذ المجلس الأعلى صراحة بهذا في قراره رقم 7839بتاريخ 10∕12/1997منشور
بمجلة المحاكم المغربية عدد93صفحة 140علما أن تاريخ الجريدة الرسمية غالبا يختلف
عن تاريخ إصدار القانون وغالبا هو ليس يوم توزيع الجريدة الرسمية فعليا في
- تحديدا
وقت ارتكاب الجريمة:
إن
تحديد وقت ارتكاب الجريمة يقتضي الأخذ بعين الاعتبار تقسيم الجرائم من هذه الزاوية
إلى جرائم فورية و جرائم مستمرة و جرائم اعتيادية.
فتحديدا
وقت ارتكاب الجريمة يكون سهلا بخصوص الجرائم:
-
الفورية (الوقتية) أي التي تنفذ في لحظة وجيزة أي أن النشاط المادي فيها ينتهي
بسرعة كجريمة السرقة أي اختلاس مال منقول مملوك للغير فصل 505قانون المسطرة
المدنية, أو جريمة القتل,ولم تحصل الوفاة في الحال حسب الرأي الراجع.
- أما
الجريمة المستمرة حيت النشاط المادي يتطلب وقتا ويمتد معه الركن المعنوي أيضا
كجريمة إخفاء شيء مسروق عن علم بذلك فلو استمر يخفي ذلك الشيء في بيته حتى دخل
القانون الجديد حيز التطبيق فإنه يسري عليها.
- ويمكن
أن نلحق بالجريمة المستمرة الجريمة المتتالية فهي جريمة تتم بأفعال متتابعة لكن
لها وحدة الهدف فالاستمرار مرتبط بطريقة تنفيذها بأفعال متتالية بإرادة الجاني
كسرقة مال خص لكن على دفعات من حساب فوحدة المشروع الإجرامي وتقارب تلك الأفعال
يبرر تقريبها من الجريمة المستمرة وبالتالي إذ لحق بعض تلك الأفعال القانون
الجنائي الجديد فإنه يسري عليها كاملة ولو كان أشد باعتبارها جريمة واحدة.
هذا وتجب ملاحظة وجود جرائم وقتية بطبيعتها
لكن نتائجها تستمر دون تدخل من إرادة الجنائي كجريمة البناء بدون رخصة فهي تلحق
بالجريمة الجريمة الوقتية.
-
الجريمة الاعتبارية: ركنها المادي يتطلب تكرار نفس الفعل لم يحدد المشرع عدد
المرات لكن القضاء اشترط مرتين على الأقل فلا تقوم هذه الجريمة بفعل واحد بل يجب
تكرار ذلك ومثالها جريمة التسول (الفصل 326 ق ج) حتى يتحقق الاعتياد وبالتالي
يتحقق ركنها المادي. فالقانون الجنائي الجديد يطبق إذا تحقق في ظلها آخر فعل يكون
حالة الاعتياد ولو كان أشد لأن بهذا تحققت الجريمة وكان عليه أن لا يتبار على نفس
الفعل.
ج-
مبررات القاعدة:
تستند
قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي إلى عدة مبررات منها:
- تعد
هذه القاعدة ضمانة أساسية لحرية الفرد وتكملة ضرورة لمبدأ شرعية التجريم والجزاء،
فالأخذ برجعية القانون الجنائي يؤدي إلى إهدار هذا المبدأ ويفتح الباب إلى التعسف
الذي جاء لمناهضته.
- تضمن
حياد المشرع إذ تلزمه بأن يجرم ويعاقب للمستقبل بشكل عام ومجرد مما يحقق المساواة
للقانون ولو كان سبب تدخله بالتجريم والعقاب هو حصول وقائع ضارة بالمجتمع فلا
يمكنه أن يسري على ما سبق وقوعه قبل نفاذ (فقانون مكافحة الإرهاب كان سببه المباشر
أحدات إرهابية وقعت لكن لا يسري على ما حصل قبله أحدات 16 ماي...)
- تفرض
على القاضي تطبيق القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة لا وقت المتابعة أو المحاولة
أو الإدانة.
- ليس
عدلا معاقبة شخص عن ارتكاب فعل كان مباحا وقت إقدامه عليه أو عقاب بعقوبات شد ما
كان مقرر لذلك الفعل وقت ارتكابه.
-
تحقيق الأمن القانوني والقضائي للأفراد بأن يتمكنوا من العلم مسبقا ما يعاقب عليه
القانون وأن لا يطبق عليهم إلا القانون النافذ وقت ارتكابه فيتمكن المخاطب بتنظيم
سلوكه وفق القانون ويتوقع بشكل معقول نتائجه.
د –
نطاق تطبيق القاعدة:
إن
قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي تهم بالدرجة الأولى القواعد الموضوعية أي
المتعلقة بالتجريم والجزاء الجنائي استنادا إلى الفصل 4 من المجموعة الجنائية.
أما
قواعد الشكل أي المتعلقة بالمسطرة وتنظيم المحاكم واختصاص التقادم وطرق الطعن
وتنفيذ الأحكام فالقاعدة في الفقه والقضاء رغم غياب نص عام أنها تسري بأثر فوري
وبالتالي تطبق على ما ارتكب قبل نفاذها ولم يفصل فيه بعد في الجوهر (انظر المجلس
الأعلى قرار 29 يونيو 1967 مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 4 صفحة 84).
وعلة ذلك
أن غاية قواعد الشكل حسن تطبيق قواعد الموضوع فهي توضع لحسن سير العدالة فلا تجرم
ولا تعاقب لذا يفترض أنها أحسن من سابقتها، يضاف إلى ذلك أن المتقاضي ليس له حق
مكتسب من علاقته بقوانين الشكل. ومع ذلك نلاحظ أن بعض قواعد الشكل قد تضر بمركز
المتهم من ذلك القواعد المتعلقة بتقادم الجريمة أو العقوبة بأن أطالت أجل تقادمها
وكذا القواعد المتعلقة بطرق الطعن في الأحكام الجنائية بأن ألغت طريقا من طرق
الطعن أو قلصت أجله لذلك نرى ضرورة مراعاة هذه الفرضية وبالتالي إدخال مرونة على
قاعدة التطبيق المباشر لقواعد الشكل.
ولقد
سبق المجلس الأعلى أن أكد قاعدة فورية تطبيق قواعد التقادم إذ جاء في قراره بتاريخ
4- 4 1968 منشور قضاء المجلس الأعلى عدد 4 صفحة 90 " إذ كان الفصل السادس من
القانون الجنائي الجديد نص على أنه في حالة وجود عدة قوانين سارية المفعول بين
تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها، يتعين تطبيق القانون للمتهم، فإن هذا
النص قاصر على قوانين الموضوع، لا علاقة له قوانين التقادم تطبق فور صدورها، حتى
ما كان منها مطولا للأجل طالما أن الأمد
القانوني السابق لم يكن قد انقضى"
ومع ذلك فإن التطبيق الفوري لقواعد التقادم إذا
كان لا يعدل ما اكتسب فتطبيقه على تقادم لم يكتمل لو كان غير صالح المكلم يضر
بمركزه فيجب أن لا يتحمل تقاعس أجهزة المتابعة عن الجرائم، وتتقيد العقوبة وقد أخذ
بهذا الاستثناء القانون الجنائي الفرنسي الجديد في الفصل 4-112 فقرة 4 ويتعلق
الأمر يطرح بالنسبة للقواعد التي قد تلغي أو تقلص ضمانة من ضمانات التقاضي المقررة
لمصلحة المتهم كما لو ألحق درجة للتقاضي بعد أن صدر قام ابتدائيا ولذلك نلاحظ أن
قانون المسطرة الجنائية الجديد تضمن نصا عاما على التطبيق الفوري لقواعد الاختصاص
( المادة 753 م
ح) لكن نص وعلى خضوع الأحكام السابقة على نفاذه للطعون والآجال والسابقة والمادة 755 م ج) فهذا استثناء من
قاعدة التطبيق المباشر لأن المتقاضي أصبح له حق الاحتفاظ بنفس النظام القضائي إلى
حين صدور حكم نهائي ما دام قد صدر له حكم قابل للطعن في ظل القانون السابق، وهذا
معناه أن لا يطبق الاستثناء على قضايا رائجة لم يصدر فيها حكم بعد.
لكن هل
يحرم من الاستفادة من الطعون أو الآجال الجديدة إذا كانت لصالحه؟
فهذه
تخضع لقاعدة التطبيق المباشر للقانون الجديد على الأحكام التي تصدر بعد نفاذه لكم
وتفاديا للاضطراب القضائي والقانون فإن نص على هذه القاعدة القانون الجنائي
الفرنسي الجديد في فصله 3-112.
إن
الإجراءات التي تمت وفق القانون السابق تبقى صحيحة (المادة 754 م .ح) فلا تعاد من جديد
والفصل 4-112 ق ج فرنسي لنطاق سريان قواعد الشكل.
هـ -
استثناءات على قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي:
1- رجعية
القانون الأصلح للمتهم: وهو أهم استثناء عند قاعدة عدم رجعية القانون
الجنائي,بمقتضاه بطبق القانون الجنائي الجديد على وقائع سابقة على بداية نفاده إذا
كان قد نص عليه الفصل 6 من المجموعة الجنائية إذ جاء فيه "في حالة وجود عدة
قوانين سارية المفعول , بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي بشأنها , يتعين
تطبيق القانون الأصلح للمتهم ."ونص عليه القانون الجنائي الفرنسي في فصله
1-112 بعد أن كان يأخذ به القانون الفرنسي في غياب نص صريح استنادا إلى الفصل 8 من
إعلان حقوق الإنسان و المواطن الذي نص على أن القانون يقرر العقوبات الضرورية .
+
مبررات الاستثناء:
يستند
هذا الاستثناء إلى مبررات قوية جعلت الفقه والقضاء يأخذ به حتى في الحالات حيت
وردت قاعدة عدم رجعية القانون بشكل عام و مطلق كما هو الشأن في المغرب عندما نص
عليها في الدستور.
ومن
هذه المبررات:
- مبدأ عدم رجعية القانون ذاته: فهذا المبدأ وجد لمصلحة حماية
الفرد من التعسف وفي قبول هذا الاستثناء ما يحقق مصلحة الفرد والمجتمع.
- مصلحة الفرد : فقاعدة عدم رجعية القانون وجدت لمصلحته
ورجعية القانون الأصلح للمتهم يهدف أيضا تحقيق هذه المصلحة فلا يمكن أن ينقلب
المبدأ ضد هذه المصلحة ما يقتضي أ، يطبق عليه القانون الأشد الذي كان ساريا وقت ارتكاب
الجريمة باسم قاعدة عدم رجعية القانون التي وجدت لمصلحته.
- مصلحة المجتمع: ما دام المشرع ظهر له أن القانون الذي
كان ساريا وقت ارتكاب الجريمة أصبح أكثر قسوة ولم تعد للمجتمع مصلحة في تطبيقه أدوات
عقوباته لم تعد لها ضرورة أو وقع تخفيفها فليست هناك مصلحة اجتماعية في استمرار
التمسك بتطبيق ذلك القانون ما دامت مصلحة المجتمع الحالية هي في تطبيق القانون الجديد
فعدم استفادة المتهم من القانون الجديد الأخف معناه الحكم عليه بعقوبات القانون
القديم التي قدر المشرع نفسه أنها أصبحت عير ضرورية, وبذلك يقع التوفيق بين مصلحة
المتهم ومصلحة المجتمع في إطار هذا الاستثناء,
+ شروط الاستثناء:
إن تحديد شروط رجعية القانون الأصلح للمتهم يتطلب
التمييز بين حالتين:
° الأصلح حالة التخفيف مع بقاء التجريم: وهي الحالة
الأكثر تطبيقا التي تعرض لها الفصل 6 من المجموعة وتتطلب شرطين شكليين وشرط موضوعي:
- أن يكون القانون الأخف نافذا
أي دخل حيز التنفيذ فأحيانا قد ينشر القانون في الجريدة الرسمية ويحدد لبداية
نفاذه تاريخيا لاحقا خروجا على قاعدة النفاذ من اليوم الموالي لتاريخ نشره فالعبرة
بوقت النفاذ وليس الإصدار أو النشر رغم أن مصلحة المتهم هي في الإصدار كإجراء
دستوري منصوص عليه دون النشر وبه يوجد القانون دستوري لكن المجموعة نصت صراحة على
سريان المفعول أي النفاذ.
- أن يكون نافذا قبل صدور حكم
نهائي (بات) في الجريمة أي حكم حائز لقوة الشيء المقضى به, إذ يصبح عنوان الحقيقية
القضائية وذلك إذ لا يمكن إعادة محاكمته وفق القانون الجديد الأصلح له كما لا يمكن
رد العقوبة تلقائيا إلى الحد المقرر في الجديد الآخر على أساس أنها هي العقوبة
التي يراها المشرع الجديد ضرورية ومناسبة نظرا لعائق قوة الشيء المقضى به من جهة
وصعوبة تطبيق هذا الحل لو أن العقوبة المحكوم بها نفذت أو شرع في تنفيذها وتجاوزت
الحد الأقصى الجديد ضمانا لاستقرار الأحكام والمراكز القانونية وإن كان هذا لا
يمنع الاستفادة من العفو.
- أن يكون أصلح للمتهم أي أن
يجعل مركزه أفضل مما لو طبق عليه القانون النافذ وقت ارتكاب الجريمة أي القانون
القديم والعبرة في تحديد هذه الأفضلية هي بالآثار الجنائية للقوانين دون غيرها من الآثار
ويعد للقاضي الجنائي تقدير هذه الأفضلية ول لم يطلب المتهم ذلك لأنها حق من حقوقه
وواجب على القاضي أن يقوم بها وهو في هذا خاضع لرقابة المجلس الأعلى فالفصل 6 من
المجموعة استعملت كلمة "يتعين" أي يحب.
وتقدير الأفضلية يتم بمقارنة
القوانين السارية المفعول بين تاريخ ارتكاب الجريمة والحكم النهائي فيها لاختيار
الأفضل للمتهم وعادة تكون هذه العملية سهلة وظاهرة من خلال مقارنة بسيطة بين تلك
القوانين لكن أحيانا تصبح صعبة.
° من زاوية تعديل التجريم والمسؤولية: يكون القانون أصلح
للمتهم لو أنه أضاف واشترط عناصر جديدة إلى كيان الجريمة أو اشترط الاعتياد ليتحقق
الركن المادي أو اشترط العقد الخاص بدل الفصل العام لقيام المسؤولية أو اشترط العد
بدل الخطأ.
أو رفع سن الرشد الجنائي كما حصل في المغرب من 16 إلى 18
سنة أو أضاف موانع جديدة
° من زاوية تعديل العقوبة: الأصلح للمتهم من خف العقوبة
حالة اتخاذ العقوبة من القوانين النافذة نوعا فالقانون
الأخف هو من قلص مدة سلب الحرية أو مبلغ الغرامة بأن خفض الحديث الأدنى والأقصى أو
الأقصى فقط أو الأدنى فقط.
كذلك الأصلح من أوجد تفريدا للعقاب لصالح المتهم: بأن
قرر عذرا معفيا أو مخففا للعقوبة أو أجاز منح ظروف التخفيف أو إيقاف التنفيذ أو
أزال ظرفا مشددا.
كذلك الأصلح من غير وصف الجريمة من جناية الجنحة أو من
جنحة إلى محالفة إذ أن عقوبة المخالفة أحف من عقوبة الجنحة وهذه أخف من العقوبة
الجنائية والأصلح حالة اختلاف نوع العقوبات أيضا ولو ضمن نفس النوع من الجرائم
يظهر فيه كون عقوبة الغرامة أخف من العقوبة السالبة للحرية أيا كانت مدتها, كما أن
سلم عقوبات نفس النوع من الجرائم يتصاعد شدة، فالإعدام أشد من عقوبة السجن المؤبد
وهذا أشد من السجن المحدد وهكذا.
كما أن الأصلح من أزال العقوبة الإضافية أو التدبير
الوقائي أو خير المحكمة بين عقوبتين بدل إلزامها بهما.
والقاعدة أن التدبير الوقائي أخف من العقوبة لما يرمي
إليه من وقاية وإصلاح بدل العقاب.
° حالة مختلف بشأنها:
· حالة
تخفيف الحد الجديد ورفع الآخر كما لو كانت عقوبة سالبة للحرية من 5 أشهر إلى سنة
فأصبحت من 3 أشهر إلى سنتين أو العكس، فهناك من قال أن العبرة بالحد الأقصى لأنه
يهدد المتهم فقد تصل إليه المحكمة وهناك
من رأي ترك الأمر لتقدير المحكمة حسب كل حالة فإن قدرت أن المتهم يستحق التخفيف
طبقت عليه القانون الذي خفض الحد الأدنى وإن رأته يستحق القسوة طبقت عليه الذي خفض
الحد الأقصى.
ونلاحظ أن هذا الرأي يخدم أكثر
مصلحة المتهم لمنه يجعل تقدير القانون الأصلح مرتبط بكل قضية وظروفها وبالتالي
يخرج عن قاعدة التقدير الموضوعي المجرد بالمقارنة بين القوانين السارية المفعول،
وما دامت العبرة هي باختيار القانون الأصلح للمتهم الماثل أمام المحكمة وهي غاية
هذا الاستثناء من قاعدة عدم رجعية القانون الجنائي فإننا نؤيد الأخذ بهذا التوجه
على أن تعلل المحكمة تعليلا خاصا اختيارها قانونيا دون آخر من القوانين السارية
المفعول.
· حالة
وجود قانون تضمن مقتضيات بعضها لصالح المتهم وبعضها ضدها كما لو رفع الحد الأقصى
وأقر إمكانية إيقاف التنفيذ أو خفض الحد الأقصى ومنع إيقاف التنفيذ.
فهل يتم الحل وفق معيار الحالة
السابقة لم ينظر في إمكانية فرز الإجراء الذي في صالح المتهم إذا كانت قابلة
للتجزئة؟ (المحاضرة)
ب- القانون الأصلح حالة إزالة
التجريم: نص على هذه الحالة الفصل 5 من المجموعة الجنائية: " لا يصح مؤاخذة
أحد على فعل لم يعد يعتبر جريمة بمقتضى القانون صدر بعد ارتكابه، فإن كان صدر حكم
بالإدانة فإن العقوبات المحكوم بها أصلية كانت أو إضافية، يجعل حد لتنفيذها"
وقد أكد هذا الحكم أيضا الفصل 52 إذ جاء فيه : " باستثناء الحالة المنصوص
عليها في الفصل 7 بخصوص تطبيق القوانين المؤقتة، فإن إلغاء القانون الجنائي يحول
دون تنفيذ العقوبة المحكوم بها بموجبه والتي لم يشرع بعد في تنفيذها، كما يجعل حدا
للعقوبة الجاري بتنفيذها."
وهكذا ففي حالة إزالة التجريم بمقتضى القانون الجديد أي
أن الفعل لم يعد يعتبر جريمة فإن المتهم يستفيد قبل الحكم بإدانته، إذ يجب الحكم ببراءته
كما يستفيد بعد إدانته وذلك بعدم تنفيذ العقوبات المحكوم بها أو وضع حد لتنفيذها،
إذ كان قد شرع في ذلك.
بل إن إزالة التجريم تضع حدا أيضا لتنفيذ التدابير
الوقائية إذ جاء في الفصل 9 مجموعة جنائية " ينتهي تنفيذ التدبير الوقائي،
إذا صدر قانون جديد يزيل صبغة الجريمة عن الفعل الذي استوجبه أو إذا صدر قانون
يلغي ذلك التدبير" ومعلوم أن إزالة العقوبة تفيد إزالة التجريم عكس إزالة
التدبير الوقائي فقط. ونلاحظ ذلك بخصوص هذه الحالة أن القانون اكتفى بصور القانون
الأصلح وليس نفاذه وهو حل يستند إلى العدالة ويمثل نتيجة قصوى لرجعية القانون
الأصلح واستثناء قوي على قوة الشيء المقضى به لكنه حل مشروط بإزالة التجريم بصفة
تامة أي إخراج الفعل من القانون الجنائي كما أن الإدانة تستمر ولا يقع المس
بالمصالح المدنية.
2- استثناءات
من مبدأ رجعية القانون الأصلح للمتهم.
أ - القوانين
المؤقتة:
وهي قوانين محددة المدة صراحة أو ضمنا بالنظر لطبيعتها
أو للظروف التي تحكمها، وقد نص الفصل 7 من القانون الجنائي صراحة على استثنائها من
رجعية القانون الأصلح للمتهم إذ جاء فيه " لا تشمل مقتضيات الفصلين 5 و 6
القوانين المؤقتة التي تظل، ولو بعد انتهاء العمل بها، سارية على الجرائم المرتكبة
خلال مدة تطبيقها."
ويظهر من صياغة هذا الفصل وخاصة عبارة انتهاء العمل بها
وخلال مدة تطبيقها أن المشرع يميل إلى الأخذ بمفهوم القوانين المؤقتة المحددة
المدة صراحة دون المحددة المدة ضمنا والقاعدة أن الاستثناء لا يتوسع في تفسيره
خاصة وأنه هنا ضد مصلحة المتهم.
فالقوانين المؤقتة تشكل استثناءا حقيقيا لقاعدة رجعية
القوانين الأصلح للمتهم، فهي تطبق على ما ارتكب خلال مدة نفاذها من أفعال مخالفة
لها ولو امتد البحث أو المحاكمة إلى أن انتهت مدة نفاذها، والعلة من هذا تفادي أن
يتحايل من خالفها بقصد تطويل الإجراءات في انتظار انتهاء مدتها. فلو استفادوا من
رجعية القانون الأخف معناه تشجيعهم على ارتكاب الجرائم والتحايل على القوانين
المؤقتة.
ب) رجعية القوانين الجنائية المفسرة:
إن القوانين المفسرة هي قوانين يصدرها المشرع ليفسر بها
قانونا سابقا في إطار التفسير التشريعي توضيحا لغموض النص السابق، لذلك فهي تندرج
في النص المفسر فتسري بأثر رجعي حيث يكون لها نفس النطاق الزمني، وتحكم وقائع تمت
قبلها لكن في حدود سريان القانون المفسر ما دامت تهدف الإفصاح عن إرادة المشرع في
النص المفسر ولا تضيف حكما جديدا تحت ستار التفسير.
ج) رجعية التدابير الوقائية:
إن تدابير الوقاية تختلف عن العقوبة إذ تهدف مواجهة خطورة
إجرامية عكس العقوبة التي تحمل معنى الألم والزجر، وبما ن تدابير الوقاية المفيدة
لا يمكن تحديدها إلا في وقت الحكم كما يفترض أن التدابير الجديدة هي الأصلح للمجرم
والمجتمع في نظر المشرع ولذلك قرر الفصل 8
من المجموعة الجنائية قاعدة تطبيق التدابير النافذة وقت صدور الحكم وليس وقت
ارتكاب الجريمة ولو أنها صدرت بعد الارتكاب ولو كانت أشد من التدابير وذلك خلافا
للعقوبات.
أما لو كان قد صدر الحكم فإن الفصل 9 نص أنه ينتهي
التدبير الوقائي إذا صدر القانون الجديد يزيل صفة الجريمة عن الفعل الذي استوجبه ،
أو إذا صدر قانون يلغي ذلك التدبير فإزالة التجريم تضع حدا لتنفيذ تدابير الوقاية
مثل تنفيذ العقوبة ولو بعد صدور الحكم، وإلغاء التدبير فقط يوجب وضع حد لتنفيذه ول
ظل الفعل مجرما.
Commentaires
Enregistrer un commentaire