الركن المعنوي للجريمة

الركن المعنوي

يذهب الراي التقليدي السائد الى تأكيد انه لا ريبة بدون ركن معنوي يضاف الى ركنها القانوني وركنها المادي، ومن حيث مضمون يرده إلى الخطأ الذي يأخذ احده صورتين القصد او الخطا بالمعنى الضيق. بحيث تكون الجريمة بالنظر الى ذلك إما عمدية او خطئية. وان كنا نرى أن الركن المعنوي بهذا المعني يصلح اساسا للمسؤولية , فهو مرتبط بالعلاقة النفسية (المعنوية) بين الواقعة المجرمة التي حصلت ومن تسبب في حصولها وتأخذ احدى صورتين : القصد او الخطأ :

     اولا: صورة القصد الجنائي : (العمد)
لم تعرف المجموعة الجنائية القصد الجنائي (العمد) رغم نصها على القاعدة العامة في الفصل 133 اذ جاء فيه : الجنايات والجنح لا يعاقب عليها الا اذا ارتكبت عمدا الا ان الجنح ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة، اما المخالفات فيعاقب عليها ولو ارتكبت خطا في الحالات التي يستلزم فيها القانون صراحة قصد الاضرار.
وطبقت ذلك عند تفصيلها الجرائم المختلفة وبناء على ذلك فالقصد الجنائي ضروري في الجنايات اما في الجنح فيكن بصفة استثنائية الاكتفاء بالخطا اما المخالفات فيكن الخطأ اللهم حالات النص على القصد.
وهكذا يمثل القصد أعلى درجة الخطا ويأخذ اهمية خاصة في بناء الجريمة ووفق الراي السائد أو المسؤولية عنها كما نرى.
1-   مفهوم القصد الجنائي: لقد اهتم الفقه بتحديد مضمونه وذهب في اتجاهين رئيسين فافرز نظريتين في الموضوع :
- نظرية الارادة : يركز هذا الاتجاه على دور الارادة فالفصل عامة هو توجه نحو هدف معين وفي المجال الجنائي هو قرار الارادة بمخالفة القانون فهو يفسر بارادة النتيجة. ومن انصار هذه النظرية الالماني فيرباخ وقد سادت في القرن 18.
- نظرية التمثل : جاءت كرد فعل ضد نظرية الارادة في القرن 19.
- ومن انصارها بيكير، فالارادة وفق هذه النظرية نتيجة فقط الى الحركة الجسدية اما النتيجة فحصولها يرتبط بعدة اسباب اغلبها مستقلة عن الارادة لذلك فموقف الشخص منها يقف عند توقعها فيجب تحديد درجة هذا التوقع المكون للفصل هل توقعها كأمر ضروري لسلوكه ام فقط كممكن لكن لا يهم ان يريدها.
- نظرية وسط : القصد ارادة وتمثل (معرفة)
يبدو ان هذا الاتجاه الذي يجمع بين الارادة والتمثل هو السائد اليوم وبمقتضاه يتحدد مضمون القصد بعنصرين :
- المعرفة : وهي حالة دهنية تعتمد على الادراك لكن وقع اختلاف بخصوص موضوع هذه المعرفة ونطاقها.
- معرفة العناصر الجوهرية لواقعة الاجرامية وبالتالي فالغلط فيها يمنع وجود قصد جنائي اما الغلط في عنصر ثانوي فلا يمنع ذلك : وهكذا ففي جريمة القتل عمدا يتعين ان يعلم القاتل انه امام انسان حي ويعلم طبيعة سلوكه وصلاحيته لاحداث وفاة الضحية فتلك العناصر اساسية لذا وجب ان يحيط بها علمها امامعرفة اسم الضحية او جنسيتها فليس مطلوبا لكن ذلك يدخل في العناصر الثانوية مادام القانون الجنائي يهدف بجريمة القتل حماية حياة كل انسان دون تمييز.
والقاعدة ان معيار المعرفة هو معيار ذاتي اذ تقدر حقيقة بالنسبة لمن صدر عنه السلوك وحسن نيته او غلطه في العناصر الاساسية ينفي القصد الجنائي في حقه ايا كانت طبيعة تلك العناصر .
- هل تجب معرفة الصفة الاجرامية لما صدر عنه : بمعنى هل قيام القصد يتطلب أن يعلم الجاني انه يرتكب فعلا مجرما؟ وهل اذا جهل وجود التجريم او اساء فهمه ينتقد قصده؟
يذهب الراي السائد الى اعتبار معرفة صفة التجريم ضمن عناصر القصد الجنائي من ذلك.......وغيرهما. لكن لا يشترط ادراك هذه الصفة بالضرورة بل يجد في قرينة لا يعذر احد بجهل التشريع الجنائي ما يفترض تلك المعرفة. وقد نص على هذه القرينة الفصل 2 من المجموعة الجنائية. هذا وقد حاول بعض الفقهاء تلطيف حدة هذا الافتراض فهناك من قال انه لا يشترط معرفة واضحة بالتجريم بل ان يدرك فقط ان سلوكه غير ذي ....
وهناك من دافع عن اخراج صفة التجريم من عناصر القصد الجنائي 
- الارادة : وهي عنصر اساسي في القصد الجنائي اذ في معناه اللغوي يفيد التوجه الى هدف، فالارادة هي التي تحدد المسار السببي للسلوك لانها اذ تسعى الى هدف تجعل السلوك مناسبا له ويهدف تحقيق غاية هي الجريمة فهو سلوك غائي.
فالارادة بهذا المعنى تعني  تحكم وسلطة في النشاط يهدف تحقيق امر معين بدءا باخراجه الى العالم الخارجي، فهي قوة محركة لاظهار تصرف لتحقيق واقعة مجرمة، فالارادة هنا تحدد خيارا او تنفد قرارا، وبالتالي نلاحظ علاقتها بالمعرفة، فهذه..... الارادة من القرار، قرار ارتكاب الجريمة، لتتجه الإرادة إلى الجريمة بعد الاحاطة بعناصرها.
وهكذا ففي مثال  القتل العمد بعد الاحاطة بعناصر الواقعة يوجه الجاني ارادته الى اتخاذ السلوك المناسب ولكن وبصفة اساسية الى تحقيق الهدف وهو ازهاق روح الضحية. وبالتالي فعدم ارادة هذه النتيجة ينفي قيام القتل العمد بان كان يهدف فقط الايداء ومن هنا كان التركيز الكبير في الفقه والقضاء على اعتبار ارادة النتيجة عنصرا اساسيا للقصد لدرجة كثيرا ما يرد القصد الى ارادة النتيجة لكن ..... ضرورة الانتباه الى ان القصد يمكن اشتراطه ايضا بخصوص جرائم السلوك (المحاضرة).
وهكذا فالسرقة جريمة تقتضي العلم بان المال المنقول مملوك للغير وتوجيه الارادة الى اختلاس....
القصد والباعث : اما العلم بان ذلك مجرما فهو مفترض بقرينة لا يعذر احد بجهل القانون الجنائي
ان الباعث يختلف عن القصد، فهو الدافع لارتكاب الجريمة لذلك فقد يتغير بخصوص نفس الجريمة من شخص الى آخر فجريمة القتل قد تكون بدافع الانتقام او الشفقة او السرقة. او عند نفس الشخص من ظرف لآخر، واذا كان الدافع يأخد أهمية خاصة في تفسير سلوك الجاني ومسلسل الجريمة واحيانا ينفع في تحديد مرتكب الجريمة الى غير ذلك.
فالقاعدة في القانون الجنائي ان لا اثر للباعث على القصد الجنائي او على وجود الجريمة عامة لكن لا مانع من اخذه بعين الاعتبار في اطار تقرير الجزاء من قبل المحكمة. سيما في اطار منع ظروف التخفيف او رفضها، وكذا تحديد العقوبة بين الحد الادنى والاقصى... لكن استثناء يعتد المشرع بالباعث بنص صريح من ذلك تشديده عقوبة القتل العمد حالي كون الغرض منه اعداد جناية او جنحة او تسهيل ارتكابها او إتمام تنفيذها أو تسهيل فرار الفاعلين و شركائهم أو تخليصهم من العقوبة (الفصل 392 ق ج).
كما ان الاجهاض يصبح مباحا اذا كان تم من اجل ضرورة المحافظة على صحة الام فصل 453 ق ج.
2-   صور القصد الجنائي :
يتخذ القصد الجنائي بالنظر لكتافته النفسية وعلاقته بالظروف المحيطة عدة صور اهمها:
·               صورة القصد العام : وهي الصورة المطلوبة في الجرائم العمدية وفيها يتصرف الشخص بقصد تحقيق الواقعة الإجرامية فتتحقق مطابقة لقاصده وهكذا فاذا كانت النتيجة من عناصر هذه الواقعة فان الجاني يسعى اليها بسلوكه قصد جريمة الايذاء العمدي يكون الجاني قاصدا ايذاء المجني عليه.
·               صورة القصد الخاص : وفيها يتخصص القصد الجنائي بغرض محدد اوباعث  محدد مما ينص عليه القانون وهكذا ففي جريمة السرقة لا يكفي توجيه ارادة الجاني الى اختلاس مال الغير بل يجب ان يتخصص ذلك بنية تملكه لا مجرد الانتفاع منه وجريمة القتل العمد تتطلب حسب الرأي السائد قصدا خاصا يكمن في ارادة الجاني ازهاق روح المجني عليه لا دون ذلك كالايذاء مثلا.
·               صورة القصد المحدد : وفيه تكون النتيجة الاجرامية محددة في موضوع معين كمن اراد قتل شخص معين خاصا به بالفعل وقتله.
·               صورة القصد غير المحدد اي ان موضوع النتيجة غير محدد سلفا كحالة من القى بقنبلة على جمع من الناس مريدا قتل اي كان منهم والقاعدة ان الصورتين لهما نفس الحكم ويتحقق باي منهما القصد المطلوب لان جريمة القتل العمد تحمي اي انسان بغض النظر عن هويته.
·               صورة القصد الاحتمالي : لم تنص المجموعة الجنائية على هذه الصورة وهي المباشرة موضوع اختلاف في الفقه والقضاء وخاصة من زاوية موازاتها بالقصد العادي في هذه الصورة الجاني قد توقع حصول نتيجة اجرامية لسلوكه فانه لم يوجه ارادته الى تحقيقها لكنه قبلها.

وهكذا فان مفهوم هذه الصورة يختلف نسبيا عن صورة القصد المباشر حيث الجاني اذ علم بعناصر الواقعة الاجرامية وجه ارادته الى تحقيقها فجاء مطابقة لعلمه وارادته اما في صورة القصد الاحتمالي.
فعنصر العلم اليقيني يتحول الى علم مع الشك في امكانية حدوث النتيجة الاجرامية وعنصر الارادة المنهجية لتحقيق النتيجة يتحول الى مجرد قبولها فهذا ليس غايته وبذلك فالقصد الاحتمالي هو توقع وقبول.
وقد اخذ القضاء المصري بهذا المفهوم فيحك
محكمة النقض بتاريخ 25/12/1930............(مصر 11 صفحة 818
3-   اثبات القصد الجنائي :
ان القصد الجنائي في الجرائم العمدية يكون واجب الاثباث بشكل يقيني وسليم وعلى محكمة الموضوع تقدير وجوده او انتفائه فلا يمكنها التصريح بالادانة دون ثبوت القصد الجنائي.
- وتراعي معاصرته للسلوك الذي حقق الواقعة الاجرامية وهكذا ففي جريمة القتل العمد يجب ان يتحقق وقت ارتكاب السلوك القاتل ولا يجب استمراره الى حين حصول الوفاة التي قد لا تحصل في الحال.
- كما ان القاعدة في تقدير عناصر القصد هي اعتماد معيار ذاتي طبقا للمفهوم السيكلوجي للقصد الذي لازال سائدا رغم مظاهر تجاوزه 
- لكن بالنظر للمفهوم النفيس للقصد فانه يصعب اثباته بشكل مباشر مالم يعترف الجاني، لذلك عادة يقع اللجوء الى الاستدلال عليه بشكل غير مبائر اي من خلال مظاهر خارجية تدل عليه سيما ظروف وملابسات ارتكاب الجريمة كطريقة تنفيذ الجريمة وزمانها ومكانها وموقف الجاني بعد تنفيذها ... ففي جريمة القتل العمد يمكن استخلاص القصد الجنائي من استعمال اداة قاتلة مثل مسدس ومكان اصابة الجاني في جسده مثل الرأس القلب .... وعدد الاصابات ومحاولة الجاني اخفاء الجثة.
- هذا واذا كان تقدير وجود القصد موكولا الى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع فانها خاضعة لرقابة المجلس الاعلى من زاوية البت في وجود القصد او نفيه ومفهومه القانوني وسلامة التعليل والاستنتاج.
ثانيا : صورة الخطأ
في هذه الحالة ترتكب الجريمة بطريقة غير عمدية، لذلك فالركن المعنوي في هذه الصورة يأخذ درجة أقل من العمد ويترجم خطورة جنائية اقل وقد انعكس ذلك على الجزاء الجنائي فهو اقل ما هو مقرر للجريمة العمدية كما انعكس ذلك على مجال امكانية تأسيس المسؤولية على الخطأ فقط فهي الجنح والمخالفات دون الجنايات وفقط ما نص عليه للفصل 133 ق ج.
o    مفهوم الخطأ :
لم يعرف المشرع الخطا مثلما عرف القصد، وذكر صورا له بمناسبة بعض الجرائم خاصة جرائم القتل والجرح خطا الفصول 432-433 -608 فقرة 5.
حيث ذكر له صورا مجتمعة ممن عدم التبصر، عدم الاحتياط، عدم الانتباه، الاهمال، مخالفة القوانين والانظمة، لكنه احيانا لم يذكر هذه الصور مجتمعة مثال الفصل 608 فقرة5.
كما ان ذكر الصور طرح التساؤل حول ما اذا كان التعداد على سبيل الحصر ام على سبيل المثال قصد بها تقريب فكرة الخطا من الاذهان ام انها من العموم والشمول ما يجعلها تحيط بكل ما يمكن تصوره من أخطاء.
ونرى انه كان يستحسن عدم ذكر الخطأ والاكتفاء باشتراط الخطأ ايا كانت صورته مثلما فعل القانون المدني في الفصل 77 ع ل فالخطأ لي مفهوم واحد ولو تحددث مظاهره وصوره.
كما ان ذكر تلك الصور لا يغني عن ضبط مفهوم عام للخطا.
كما ان المشرع ذاته لم يلتزم بذكر تلك الصور مجتمعة بخصوص كل الجرائم غير العمدية، ان التفسير الضيق للقانون الجنائي يفضي الى القول بان حالة ذكر  صورة او اكثر يجب توفرها واثباتها في الحكم تحت طائلة نقصان التعليل اما في حالة سكوته عن ذكر الصورة فانه يكفي توافر اية صورة من الصور الخمسة. لكن مع ذلك نلاحظ ان الصور الخمسة لم يرد ذكرها في نص عام بل بمناسبة بعض الجرائم جرائم القتل والجرح فلا يمكن ان تفسر هذا الا بكونها اهم الصور العملية في هذا المجال. لكن ذلك لا يغني عن تحديد مفهوم عام للخطأ ترد اليه مختلف الصور.
·      الصور المذكورة :
·      عدم التبصر ........... ويعبر عنه ايضا الرعونة ويتحقق خاصة في القيام بنشاط دون تبصر بعواقبه او مع سوء تقديرها لنقط الخبرة والمهارة الكافية كما في مجال المهني (طب، بناء...).
·      عدم الانتباه............ الخمول او عدم بدل الحذر الواجب اثناء القيام بعمل من اجل الوقوف عند حقيقة و.... حتى لا يضر بالغير. فسائق السيارة مطالب بالانتباه والتركيز اثناء قيادتها حتى لا يصيب غيره.
·      عدم الاحتياط.............. ان عدم الاحتراز بمناسبة القيام بعمل وعدم اتخاذ ما يلزم لتفادي نتائجه الضارة كانطلاق سائق حافلة دون التأكد من نزول لاحد الركاب نهائيا واغلاق ابوابها.
فهناك اخلال بما يمليه واجب الاحتياط ولو كان النشاط في حد ذاته مباحا.
·      الاهمال :............. ان التقصير او التهاون اي عدم القيام بما يجب لتفادي الضرر كاهمال العناية بطفل فيصاب بأذى بتركه بجوار موقد غاز مشتعل عليه ماء يغلي فسقط عليه فاصيب بجروح اودت بحياته حيث تقوم المسؤولية عن قتله خطأ. (نقض مصري 3/11/1941 مجموعة القواعد القانونية ج 5 رقم 269 صفحة 565) ومثاله ايضا عدم صيانة آلة بمصنع مما أدى الى اصابة العامل.
·      مخالفة القوانين والأنظمة : وهي صورة خاصة عن الخطأ تتحقق بمخالفة القواعد المفروضة بمقتضى القانون والانظمة وقد تتم بسلوك ايجابي او سلبي بحسب ما تقصد به القواعد من أمر او نهي.
ويقصد بالقوانين النصوص التشريعية النافذة وليس مجرد قواعد الخبرة السائدة في المجتمع، اما الانظمة فتأخذ مدلولا عاما يشمل ما يدخل في اطار السلطة التنظيمية وما يصدر عن السلطات العامة من تدابير وقرارات عامة او فردية مكتوبة او شفوية بأخذ تلك المنائر والتعليمات والاوامر، بل تشمل ايضا الانظمة الداخلية للهيئات والمقاولات العامة او الخاصة بل يذهب البعض الى الاخذ بالاعراف ايضا وقد أخذ قانون زجر الغش بهذا في تعريفه جريمة فمخالفة القوانين او الانظمة بفعل او امتناع تشكل صورة الفصل 1 قائمة الذات للخطا وكافية، اذ لا حاجة لان تضاف اليها صورة اخرى ويصطلح احيانا على هذه الصورة الخطا الخاص لان النص حدد السلوك الواجب اتخاذه عكس الصور الاخرى التي تشكل خطأ عاما اذ الخبرة الانسانية هي التي يتحدد على ضوئها السلوك الواجب والذي يعود للمحكمة تقديره.
وتجد هذه الصورة مجالا خصبا لتطبيقها في اطار حوادث السير وحوادث الشغل، اذ عادة يرتبط القتل بمخالفة لقاعدة من قواعد السير او انظمة الصحة والسلامة في الشغل وكذا جرائم الغش كما ان هذه الصورة من الخطأ يسهل اثباتها فهي تقوم من مجرد التثبت من مخالفة القاعدة لكن يجب ان تكون الانظمة شرعية وان توجد علاقة سببية بين مخالفة القاعدة وحصول النتيجة المجرمة. (الوفاة مثلا) في جرائم النتيجة ولا يهم ان تكون مخالفة القاعدة مجرمة لذاتها ام لا.
مفهوم عام للخطأ :
ان تعداد صور الخطا او ذكر تلك الصور لا يغني عن تحديد مفهوم عام للخطا، ذلك ان الخطا فكرة واحدة ايا كانت صوره، فهو يرد الى اخلال بواجب اما تفضه قواعد الخبرة الانسانية السائدة في المجتمع يأخذها القانون بعين الاعتبار تفاديا للإضرار بمصالح وحقوق او اخلال فيما تفرضه القوانين والانظمة مباشرة من قواعد، وفي الحالتين يكون المخالف بامكانه التصرف فقط هو واجب عليه بمقتضى ذلك.
ويكون هذا الاخلال واضحا من مجال جرائم النتيجة غير العمدية حيث يلام الجاني عن تسببه في حصول النتيجة الاجرامية والحال انه كان بامكانه توقعها وتجنبها وكان عليه ذلك بالنظر للواجب المفروض عليه حتى لايتسبب في تلك النتيجة (كوفاة الغير او ايذائه مثلا)
فهو اما لم يتوقعها وكان بامكانه (سيما خطأ بسيط) واذا توقعها رغم انه لم يقصدها ولم يقبل بها فانه قصر في اتخاذه ما يلزم لتفاديها (خطا مع التوقع) اما لم يتخذ اي شيئ او لم يتخذ ما هو مناسب.
فهو وان لم يوجه ارادته الى تحقيق الواقعة الاجرامية عن علم بذلك كما في القصد فإنه حققها بسبب اهماله او تقصده فتحقق الركن المعنوي للجريمة .... اساس مسؤوليته الخطأ.
وبناء على ذلك يأخذ عنصر التوقع اهمية خاصة في مفهوم الخطأ اذ يميز الخطأ عن الحادث الفجائي حيث النتيجة غير متوقعة. لكن ما هو معيار التوقع؟
* المعيار الشخصي / ان الخطأ وفق النظرية التقليدية هو مفهوم نفسي لا يقتضي تقديره وفق معياراتي. اي الوقوف عند الحالة النفسية للجاني وظروفه الخاصة الداخلية والخارجية وقت تصرفه(سنه، درجة تعليمه، خبرته).
البحث اذا كان بوسعه ان يتصرف وفق ما هو مطلوب منه قانونا، فإن ثبت انه كان مقصرا بان كان قادرا ولم يستغل قدراته تحقق الخطأ اما اذا كان غير قادر ان يفعل غير ما صدر عنه فلا يتحقق الخطأ.
وعيب هذا المعيار انه يحاسب الشخص الحذر اكثر قسوة من الشخص الذي اعتاد الاهمال والكسل.
·      المعيار الموضوعي : انه معيار الشخص العادي متوسط القدرات والخبرة والحذر وهو السائد في القانون المدني وهو الراجح ايضا في المجال الجنائي لكن كثيرا ما يقع التركيز على ربطه بنفس الفئة الاجتماعية او المهنية التي ينتمي اليها المخالف ونفس الظروف الخارجية سيما الزمان والمكان وهو ما يقلص من تجريده مما يجعلنا امام معيار وسط وليس ذاتيا محضا ولا موضوعيا محضا.
وقد ادى اعتماد هذا المعيار في المجال المدني وفي المجال الجنائي الى الاخذ بوحدة الخطأ في المجالين وما يترتب عن ذلك من حجية الحكم الجنائي بخصوص الخطأ امام القضاء المدني بالنسبة للمسؤولية المدنية المؤسس على الخطأ الشخصي 77 ع ل. كما ترتب عن الاخذ بهذا المعيار استبعاد الخطأ عن اصله النفسي بدرجة كبيرة وقد تأكد ذلك ايضا باعتباره مجرد مخالفة القوانين والانظمة وخاصة المجرمة صورة للخطأ قائمة الذات. وكثيرا ما يعتبر القضاء الخطأ في .... ثابتا من مجرد حصول المخالفة الى ان يثبت المخالف ما ينفيها  وهو ما دفه به الفقه احيانا الى اعتبار هذا الوضع نوعا من الجرائم المادية اي بدون خطأ ( كمخالفات قانون السير مثلا، بل ان هذه الصورة للخطأ تعد كافية لقيام المسؤولية الجنائية عند الجنح المرتبطة بهذه المخالفة كالجرح والقتل خطأ اذا توفرت مجرد علاقة السببية بين تلك المخالفة والجروح او الوفاة مع ملاحظة ان نطاق هذا الوضع يتسع كثيرا .
ثالثا : تقسيم الجرائم من زاوية الركن المعنوي
.* تقسيم الجرائم من هذه الزاوية الى جرائم عمدية اي تتطلب القصد الجنائي وهي الاصل وجرائم غير عمدية اي تتطلب فقط الخطأ وهي استثناء ولكن نلاحظ اليوم اتساع نطاقها، وفي الجرائم العمدية القاعدة انه يكفي توفر القصد الجنائي العام لكن القانون قد يشترط توفر قصد خاص ولا تتحقق بدونه وقد يقوم الخطأ على انقاض القصد الجنائي اذا كان القانون يوفر حماية مزدوجة للحق والمصلحة كحق الحياة اذ يعاقب على القتل عمدا ويعاقب على القتل خطأ لكن احيانا يوفر حماية احادية فالسرة لايعاقب عليها الا عمدا.
ويترتب عن تقسيم الجرائم الى عمدية وغير عمدية عدة نتائج اهمها :
* لاجريمة بدون خطأ او لا مسؤولية بدون خطأ في صورة قصد او خطأ بالمعنى الضيق. مع ملاحظة وجود مجال خفي لنوع من الجرائم بدون خطأ او مسؤولية بدون خطأ، جرائم مادية او مسؤولية مادية .... تجد مجالا خصبا في الجرائم غير العمدية.
- القاعدة في الجنايات هي اشتراط القصد اما الجنح فاستثناء يمكن الاكتفاء بالخطأ اما المخالفات فالقاعدة هي الخطأ واستثناء.... وقد نص على هذه القاعدة الفصل 133.
- القاعدة المشاركة في الجريمة دون المخالفة تتطلب القصد دون المخالفة وبالتالي لا تتحقق في الجرائم غير العمدية حسب الرأي السائد.
- المحاولة معاقب عليها في الجنايات وفي الجنح بنص خاص لايعاقب عليها في جرائم الخطأ.
- العقوبة المقررة للجريمة العمدية عادة تكون أشد منالعقوبة المقررة لنفس الجريمة لو ارتكبت خطأ فعقوبة القتل العمد (السجن المؤبد= أشد من عقوبة القتل الخطأ (3 اشهر الى 5 سنوات وغرامة من 250 درهم الى 1000 درهم).
ان من يرتكب الجريمة عمدا أشد خطورة ممن يرتكبها خطأ. فالاول يظهر عدوانيته للقيم الاجتماعية والمصالح... جنائيا اما الثاني فيظهر تقصيرا واهمالا او لامبالاة اتجاهها فاقتضت المصلحة العامة ان يتحمل المسؤولية من باب دفعه الاحتياط والانتباه والحذر حماية لتلك الحقوق والمصالح لذلك فهو يعامل قانونا وقضاء معاملة أخف من معاملة الاول ومن مظاهر ذلك استعمال وسائل تفريد العقوبة التشريعية والقضائية .


Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

طمس معالم الجريمة و إتلاف الأدلة

القانون الجنائي الجزء2: أهم المدارس الجنائية

جريمة الإغتصاب المادة 486