تدخل النيابة العامة لإرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية


تنص المادة 53 من مدونة الأسرة على أنه: " إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات الكفيلة بأمنه و حمايته ". جاءت هذه المادة في سياق الضمانات التي منحها المشرع بهدف حماية حق كل من الزوجين في الاستفادة من بيت الزوجية، و التصدي لبعض مظاهر العنف التي قد يمارسه أحد الزوجين في حق الآخر، حيث يقوم بطرده خارج بيت الزوجية. و قد أثيرت مجموعة من التساؤلات القانونية حول الطبيعة العملية لتجسيد مقتضيات المادة 53 من مدونة الأسرة على أرض الواقع، الفقه تساءل حول الغاية من إسناد مهمة إرجاع الزوج المطرود إلى النيابة العامة، و ليس لقضاء الحكم، و أثار إمكانية تصادم اختصاص قضاء النيابة العامة و قضاء الحكم، كما أثار صعوبة بحث النيابة العامة في سبب الطرد، هل هو مبرر أو غير مبرر، و هي مقيدة بشرط الفورية. إسناد هذه الصلاحيات للنيابة العامة هو منسجم مع دورها المسطري الجديد الذي أصبحت تحتله في قضايا الأسرة، لكن السؤال هو ما جدوى بحث النيابة العامة في سبب الطرد، علما أن المشرع لم يعطي أمثلة عنه، و ترك للنيابة العامة سلطة الملاءمة ، حسب كل حالة و خصوصيتها. في هذا السياق هل يعد طرد الزوجة لزوجها من البيت الذي تعده هي لبيت الزوجية طردا مبررا، مادام أن الزوج هو المكلف بإعداد بيت الزوجية؟ أما بالنسبة لإشكالية تصادم اختصاص قضاة النيابة العامة و قضاة الحكم، عن بحثها في سبب الطرد، فإن الواقع العملي، أنهى هذا التخوف، لأن النيابة العامة عند تطبيقها لمقتضيات مدونة الأسرة تتحول إلى آلية من آليات المصالحة، و بما أن الأمر مستعجلا يتطلب تدخلا آنيا، فالنيابة العامة وحدها تضمن المداومة، خاصة أن المشرع حثها على التدخل حالا لإرجاع الزوج المطرود لبيت الزوجية، لأن هذا الأخير قد لا يكون له مقرا يقصده، علما أن أغلب حالات الطرد تتم ليلا، و أن المطرود هي الزوجة و أطفالها، لكن السؤال المطروح هو هل نجحت النيابة العامة في تفعيل مقتضيات هذه المادة؟ قبل الحكم على الدور المنوط بالنيابة العامة يلزم تتبع ما آل إليه النص في الواقع، و الاستشهاد بنجاعته، أو فشله، بالإحصائيات و المؤشرات الدالة على ذلك، من خلال الإحصائيات يتضح أنه: منذ دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق يلاحظ ارتفاع طلبات إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، إذ أنه في سنة 2004 كانت هناك 2011 حالة إرجاع، وصولا إلى 4331 طلب إرجاع سنة 2011. أن الفئة التي تتعرض للطرد هي في الغالب من النساء. أن نسبة التنفيذ لم تتجاوز 56.2 في المائة سنة 2009، مما يبين أن مجموعة من الأزواج يرفضون إعادة الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، رغم نص المادة 53 من مدونة الأسرة على إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، و هذا ما جعل بعض الفقه يعيب على المشرع أنه رغم تنصيصه في المادة 53 على ضمانات مهمة، إلا أن هذه الضمانات لم تكن لها مؤيدات زجرية، و بالتالي سمحت للأزواج بالتلاعب بهذا النص. إلا أنه لا يمكن الأخذ بهذا الإتجاه لأن المشرع المغربي أعطى للنيابة العامة مهمة التنفيذ الفوري للتدابير المنصوص عليها في المادة 121 من مدونة الأسرة، بالإضافة إلى التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية، كإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه طبقا للمادتين 40-49 من قانون المسطرة الجنائية، إلا أن هناك بعض العوائق تحول دون تنفيذ مقتضيات هذه المادة، حيث هناك احتمال الاعتداء على الزوج الذي أرجع إلى بيت الزوجية، مما سيشكل خطرا على أمنه و سلامته، و عوض حل المشكل بطريقة ودية سيكون أمام مشكل و جريمة أخرى. من خلال ما سبق يتضح أن هناك فئة قليلة من الدكور الذين يتم طردهم من بيت الزوجية، و أن نسبة إرجاعهم بالمقارنة مع الزوجات ضئيلة، بحيث لا تتعدى نسبة التنفيذ 19.26 في المائة مقارنة مع الزوجات، و التي تصل إلى 89.43 في المائة، و ذلك راجع بالأساس إلى أن عدد الأزواج قليل بالمقارنة مع الزوجات المطرودات، إلى جانب خوف الرجال من الذهاب إلى النيابة العامة، من أجل المطالبة بالرجوع إلى بيت الزوجية مخافة انكسار هيبتهم الذكورية. من خلال كل ما تقدم، يمكن القول أن هناك تقدما في نسبة إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، إذ وصلت نسبة التنفيذ إلى 56 مقارنة مع سنة 2008، إذ لم تتعدى نسبة التنفيذ 53 في المائة، مما يطرح تساؤلات عن مصير الحالات الأخرى التي لم يتم إرجاعها إلى بيت الزوجية، مع العلم أن النسبة الأكبر من النساء، و بالتالي تركهم عرضة للضياع و التشرد رفقة أطفالهن، رغم أن روح المدونة و فلسفتها هي تحقيق العدالة المتوازنة و الحفاظ على كرامة الأسرة.
منقول عن جمال بن عمر: باحث في القانون

Commentaires

Posts les plus consultés de ce blog

طمس معالم الجريمة و إتلاف الأدلة

القانون الجنائي الجزء2: أهم المدارس الجنائية

جريمة الإغتصاب المادة 486